Sabtu, 04 Juni 2011

أصول التربية في القرآن الكريم والسنة النبوية

صحح 30/4/2011م
أصول التربية في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة 
1 مقدمة تمهيدية
تُعد التربية الإسلامية أحد فروع علم التربية الذي يُعنى بتربية وإعداد الإنسان في مختلف جوانب حياته من منظور الدين الإسلامي الحنيف. وعلى الرغم من شيوع مصطلح "التربية الإسلامية " في عصرنا الحاضر؛ إلا أنه لم يكن مُستخدماً وشائعاً في كتابات سلفنا الصالح، ولم يكن معروفاً في تُراثهم العلمي الكبير؛ وإن كانت قد وردت الإشارة إليه عند بعض المهتمين بهذا المجال من الفقهاء والعُلماء و المفكرين. وفيما يلي محاولةٌ لتسليط الضوء على بعض المرادفات التي استُخدمت - قديماً - للدلالة على مصطلح " التربية الإسلامية "، وبيانٌ لمعناه، ومفهومه، وتعريفه. مع بيان أهم أصول وأسس التربية النبوية من خلال الأصلين الشريفين القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .
 2  الأصل اللغوي للكلمة
يعود أصل كلمة التربية في اللغة إلى الفعل (رَبَـا) أي زاد ونما، وهو ما يدل عليه قوله تعالى:  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأْرحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ  . فهنا الشاهد في قوله تعالى ( ربت وأنبتت) حيث النمو الزيادة .
كما أن كلمة تربية مصدر للفعل (ربَّى) أي نشَّأَ و نَمَّى، وقد ورد هذا المعنى في قوله تعالى:  وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)  . حيث التنشأة والتربية منذ الصغر . وفي قوله عز وجل:  قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ  . وهذا يعني أن كلمة التربية لا تخرج في معناها اللغوي عن دائرة النمو والزيادة والتنشئة. وفي ذلك يقول الشاعر العربي القديم:
فمن يَكُ سائلاً عني فإني **** بمكةَ منـزِلي وبها رَبيتُ
ولأن المعاجم اللغوية تُرجع الكلمة إلى حروفها الأصلية لإلقاء الضوء على مفهومها؛ فإن كلمة "تربية" التي تتكون من خمسة حروف تعود في أصلها إلى حرفين أصليين هما الراء والباء (رب)، ولهذين الحرفين عند اجتماعهما العديد من المعاني التي أشار إليها محمد خير عرقسوسي بقوله: " وهكذا نجد أن (الراء و الباء) يجتمعان على معنى السمو والإصلاح، وتقوية الجوهر، مع فروق طفيفة في تدرج هذا المعنى حيث يُستعمل للأمور المادية (ربا يربو) تعبيراً عن زيادةٍ ماديةٍ في جسم الأشياء، بينما يُستعمل للإنسان والحيوان (ربَّى يُربي) مثل خَفَّي يُخفي، بمعنى ترعرع في بيئة معينة؛ ويستعمل للأمور المعنوية ( ربأ يربأ ) لتكريم النفس عن الدنايا، ويُستعمل للرُقي بالجوهر: ربَّ يَرُبُ على وزن مدَّ يمُدُّ، حتى نصل إلى (الرَّب) وهو خالق كل شيءٍ وراعيه ومصلحه؛ فهو التربية

الكاملة".
2 مرادفات مصطلح التربية في تراثنا الإسلامي.
لم يرد مصطلح "التربية الإسلامية " بهذا اللفظ في القرآن الكريم، ولا في أحاديث رسول الله ، ولكنه ورد بألفاظ أُخرى تدل في معناها على ذلك. كما أن هذا المصطلح لم يُستعمل في تراثنا الإسلامي لاسيما القديم منه؛ وإنما أشار إليه بعض من كتب في المجال التربوي بألفاظٍ أو مصطلحاتٍ أخرى قد تؤدي المعنى المقصود؛ أو تكون قريبةً منه. وقد أشار إلى ذلك (محمد خير عرقسوسي ، بقوله: " تعتبر كلمة التربية بمفهومها الاصطلاحي من الكلمات الحديثة التي ظهرت في السنوات الأخيرة مرتبطةً بحركة التجديد التربوي في البلاد العربية في الربع الثاني من القرن العشرين ؛ ولذلك لا نجد لها استخداماً في المصادر العربية القديمة.
أما الألفاظ والمصطلحات التي كانت تُستخدم في كتابات السلف للدلالة على معنى التربية ؛ فمنها ما يلي:
1 مصطلح التنشئة: ويُقصد بها تربية ورعاية الإنسان منذ الصغر؛ ولذلك يُقال: نشأ فلان وترعرع. قال الشاعر العربي:
وينشأُ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كانَ عَودهُ أبـوهُ
وممن استخدم هذا المصطلح العالِم عبد الرحمن بن خلدون (المتوفى سنة 808هـ) في مقدمته الشهيرة.
2مصطلح الإصلاح: ويعني التغيير إلى الأفضل، وهو ضد الإفساد، ويُقصد به العناية بالشيء والقيام عليه وإصلاح اعوجاجه؛ وقد ذكر ذلك (خالد حامد الحازمي ،
بقوله: "والإصلاح يقتضي التعديل، والتحسين، ولكن لا يلزم أن يحصل منه النماء والزيادة، فهو إذاً يؤدي جزءًا من مدلول التربية"
3 مصطلح التأديب أو الأدب: ويُقصد به التحلي بالمحامد من الصفات والطباع والأخلاق؛ والابتعاد عن القبائح، ويتضمن التأديب معنى الإصلاح والنماء. عند قدماء العرب كانت كلمة (تأديب) هي المستعملة والمتداولة أكثر من كلمة تربية، وكان المدلول الأول لكلمة (أدب) في تلك البيئة العربية يُطلق على الكرم والضيافة ، فكان يُقال: فلانٌ أَدَبَ القومَ إذا دعاهم إلى طعام…وهكذا كان مدلول كلمة (تأديب) منصرفاً بالدرجة الأولى إلى الجانب السلوكي من حيث علاقة الإنسان مع غيره". ومنه المأدبة التى تعد للطعام .
وهنا نلاحظ أن مصطلح الأدب أو التأديب وثيق الصلة بمصطلح التربية حيث يمكن أن تُشتق منه تسمية المعارف آداباً ؛ وتسمية التعليم تأديباً، وتسميةُ المربي أو المعلم مؤدباً. وقد أشار إلى هذا المعنى (أحمد شلبي، في معرض حديثه عن التعليم في القصور؛ فأورد نقلاً عن (رسالةالمعلمين) للجاحظ قوله:"والمعلم هنا (أي في القصور) لا يُسمى معلم صبيان أو معلم كُتاب، وإنما يُطلق عليه لفظ "مؤدِّب" وقد اشتق اسم المؤدب من الأدب، والأدب إما خُلقٌ وإما رواية، وقد أطلقوا كلمة مؤدب على معلمي أولاد الملوك إذ كانوا يتولون الناحيتين جميعًا".
ومصطلح الأدب أو التأديب مصطلحٌ شائعٌ ورد في بعض أحاديث النبي التي منها ما روي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «لأن يؤدب الرجل ولده خيرٌ من أن يتصدق بصاع» قال أبو عيسى: "هذا حديث غريب و ناصح هو أبو العلاء كوفي ليس عند أهل الحديث بالقوي ولا يعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه وناصح شيخ آخر بصري يروي عن عمار بن أبي عمار وغيره وهو أثبت من هذا". قال الشيخ الألباني: ضعيف. وما روي عن أيوب بن موسى عن أبيه عن جده أن رسول الله قال: «ما نحل والدٌ ولده أفضل من أدبٍ حسن» قال أبو عيسى: "هذا حديث غريب لا نعرف إلا من حديث عامر بن أبي عامر الخزاز وهو عامر بن صالح بن رستم الخزاز و أيوب بن موسى هو ابن عمرو بن سعيد بن العاصي وهذا عندي حديث مرسل". قال الشيخ الألباني: ضعيف. وما روي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: " أكرموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم" في الزوائد في إسناده الحارث بن النعمان . وإن ذكره ابن حبان في الثقات فقد لينه أبو حاتم. قال الشيخ الألباني: ضعيف. وهنا نلاحظ من معاني هذه الأحاديث أن لفظ الأدب يدل على معنى كلمة تربية الأبناء وتنشئتهم على التحلي بمحاسن الأخلاق، وجميل الطباع.
عن ابن عباس رضي الله عنها قال: قال رسول الله : «ما من رجل تدرك له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة» في الزوائد في إسناده أبو سعيد. واسمه شرحبيل. وهو وإن ذكره ابن حبان في الثقات فقد ضعفه غير واحد. وقال ابن أبي ذئب: كان متهما. ورواه الحاكم في المستدرك. وقال: هذا حديث صحيح الإسندد. قال الشيخ الألباني: حسن. .عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله  يقول: «من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار يوم القيامة» (من جدته) أي من غناه. قال الشيخ الألباني: صحيح.
كما أن هذا المصطلح قد شاع استعماله عند كثيرٌ من العلماء والفقهاء والمفكرين المسلمين القدامى ومنهم: الماوردي (المتوفى سنة 450هـ) في كتابه (أدب الدنيا والدين)، ومحمد بن سحنون التنوخي (المتوفى سنة 256هـ) في رسالته (آداب المعلمين والمتعلمين)، والخطيب البغدادي (المتوفى سنة 463هـ) في كتابه (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع).
4مصطلح التهذيب: ويُقصد به تهذيب النفس البشرية وتنقيتها، وتسويتها بالتربية على فضائل الأعمال ومحاسن الأقوال. جاء عند العرب: "ورجل مهذب: مطهر الأخلاق" "وهَذَّبَ الصَّبيَّ رَبَّاه تربيةً صالحةً خالصةً من الشوائب ". وقد استعمل هذا المصطلح ابن مسكويه (المتوفى سنة 421هـ) في كتابه (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق)، كما استخدمه الجاحظ ( المتوفى سنة 255هـ) في رسالته تهذيب الأخلاق.
5 مصطلح التطهير: ويُقصد به تنـزيه النفس عن الأدناس والدنايا؛ وهي كل قولٍ أو فعلٍ قبيح. وحيث إن للتطهير معنيين أحدهما حسيٌ ماديٌ والأخر معنوي؛ فإن المقصود به هنا المعنى المعنوي الذي يُقصد به تطهير سلوك الإنسان من كل فعلٍ أو قولٍ مشين.إذ أن الطهارة قسمان حسية ومعنوية .
6 مصطلح التزكية: ويأتي بمعنى التطهير، ولعل المقصود بذلك تنمية وتطهير النفس البشرية عامة من كل ما لا يليق بها من الصفات السيئة، والخصال القبيحة، ظاهرةً كانت أو باطنة. قال تعالى:  كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151  . وقد جاء في تفسير عبد الرحمن بن ناصر السعدي: أن المقصود بقوله تعالى: ويُزكيكم في هذه الآية: " أي: يطهر أخلاقكم ونفوسكم، بتربيتها على الأخلاق الجميلة، وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة، وذلك كتزكيتكم من الشرك، إلى التوحيد ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق، ومن التباغض والتهاجر والتقاطع، إلى التحاب والتواصل والتوادد، وغير ذلك من أنواع التزكية. "
وقال تعالى:  قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10 . وقد جاء في بيان معنى هذه الآية عند ابن كثير، قوله: "وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل" . ومعنى هذا أن تزكية النفس تعني تربيتها على الفضائل وتطهيرها من الرذائل.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مصطلح (التزكية) يُعد أكثر المصطلحات قرباً في معناه لمصطلح" التربية الإسلامية " لاسيما وأنه قد ورد في بعض آيات القرآن الكريم دالاً على معنى التربية؛ ولكونه يدل على محاسبة النفس و العناية بها، والعمل على الارتقاء بجميع جوانبها (الروحية، والجسمية، والعقلية) إلى أعلى المراتب وأرفع الدرجات. وهو ما يؤكده محمد الغزالي بقوله"..والتزكية ، وهي أقرب الكلمات وأدلها على معنى التربية؛ بل تكاد التزكية والتربية تترادفان في إصلاح النفس، وتهذيب الطباع، وشد الإنسان إلى أعلى كلما حاولت المُثبطات والهواجس أن تُسِفَّ به وتعوجّ.
7مصطلح التعليم: وهو مصطلح شائع ورد ذكره في بعض آيات القرآن الكريم مثل قوله تعالى:  هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأِّميينَ رَسُولاًمِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ  كما ورد هذا المصطلح في بعض أحاديث الرسول ، فقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله  قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» .
وممن استخدم هذا المصطلح العالم برهان الدين الزرنوجي (المتوفى سنة 620هـ تقريباً) في كتابه القيّم (تعليم المتعلم طريق التعلم)، والإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت (المتوفى سنة 150هـ) في رسالته (العلم والمتعلم). وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن مصطلح (التعليم) شائع وكثير الاستعمال في كتابات علماء السلف؛ إلا أن استخدامه كان محصوراً - في الغالب - للدلالة على تنمية الجانب المعرفي المتمثل في طلب العلم.
8 مصطلح السياسة: ويُقصد بها القيادة، وحُسن تدبير الأمور في مختلف شئون الحياة. وتأتي بمعنى القدرة على التعامل، أو الترويض. وقد استخدم العالم ابن الجزار القيرواني (المتوفى سنة 369هـ) مصطلح السياسة بمعنى التربية في كتابه (سياسة الصبيان وتدبيرهم)، كما استخدمه الشيخ الرئيس ابن سينا (المتوفى سنة 428هـ) في كتابه (السياسة).
9 مصطلح النصح والإرشاد: ويعني بذل النصح للآخرين ودلالتهم على الخير وإرشادهم إليه؛ وممن استخدم هذا المصطلح أبو الفرج بن الجوزي (المتوفى سنة 597هـ) في رسالته (لفتة الكبد إلى نصيحة الولد)، والإمام أبو حامد الغزالي (المتوفى سنة 505هـ) في رسالته (أيها الولد)، والحارث المحاسبي (المتوفى سنة 243هـ) في رسالته (رسالة المُسترشدين). وقد جاء واشتهر بين الناس الحديث الذى يرويه سيدنا تميم الداري ( الدين النصيحة ) عند مسلم في صحيحه .
10مصطلح الأخلاق: وهو مصطلح يُقصد به إصلاح الأخلاق وتقويم ما انحرف من السلوك. وعلى الرغم من أن هذا المصطلح يهتم في الواقع بجانبٍ من جوانب التربية؛ إلا أنه قد يُستخدم للدلالة على التربية بعامةً. وممن استخدم هذا المصطلح أبو بكر الآجُري (المتوفى سنة 360هـ) في كتابه (أخلاق العلماء).
وهنا يجدر بنا أن نُشير إلى أن معظم الكتاباتٍ في التربية الإسلامية عند سلفنا كان مرتبطاً بمرحلة الطفولة عند الإنسان، وهو ما يؤكده بقولهم: "إن لفظ التربية في الكتابات الإسلامية يرتبط أولاً بمرحلة الطفولة، بينما لفظ التربية في الحقل التربوي يرتبط بجميع مراحل العمر التي يمر بها الإنسان "
يضاف إلى ذلك ما يُلاحظ من اهتمام وعناية تلك الكتابات التُراثية - غالباً -بالجانب الأخلاقي عند الإنسان، وهو ما يتضح في كثرة كتاباتهم عن الأدب والتأديب والأخلاق ونحو ذلك.
من ذلك كله يمكن القول: إن معنى كلمة التربية يدور ويتركز في العناية التامة، والرعاية الكاملة لمختلف جوانب شخصية الإنسان في مختلف مراحل حياته؛ وفي كل شأنٍ من شئونها. وهو ما يُشير إليه خالد حامد الحازمي بقوله: "من هذه التعريفات اللغوية يتضح أن التربية تدور حول الإصلاح، والقيام بأمر المتربي، وتعهده، ورعايته بما يُنميه. وأن المفهوم التربوي مرتبط بجميع تلك المعاني و خلاصة ذلك: أن المرادفات التي استخدمها السلف الصالح للدلالة على معنى التربية تدور حول تنمية، وتنشئة، ورعاية النفس البشرية وسياستها، والعمل على إصلاحها، وتهذيبها، وتأديبها، وتزكيتها، والحرص على تعليمها، ونصحها وإرشادها؛ حتى يتحقق التكيف المطلوب، والتفاعل الإيجابي لجميع جوانبها المختلفة؛ مع ما حولها، ومن حولها من كائناتٍ ومكونات معنى التربية في اللغة والاصطلاح.
وانطلاقاً من ذلك فقد كانت تعريفات سلفنا الصالح للتربية متقاربةً ومتشابهةً إلى حدٍ ما لأنها اعتمدت في ذلك على المعنى اللغوي للكلمة ؛ فقد عرَّفها ناصر الدين البيضاوي بقوله:" الرب في الأصل مصدر بمعنى التربية. وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً ".
و يُعرَّفها الشيخ الرئيس ابن سينا؛ كما أورد ذلك مقداد يالجن بقوله: "التربية هي العادة، وأعني بالعادة فعل الشيء الواحد مراراً كثيرةً، وزماناً طويلاً في أوقاتٍ مُتقاربة". كما أنه أورد تعريفاً آخر يرى فيه أن التربية" إبلاغ الذات إلى كمالها الذي خُلقت له في حين يُعرِّفها الراغب الأصفهاني بقوله: "الرب في الأصل التربيَةُ ، وهو إنشاءُ الشيءِ حالاً فحالاً إلى حَدِّ التمام ، يُقالُ رَبَّهُ، ورَبَّاهُ، و رَبَّبَهُ وقيل: "لأنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ". ولا يُقالُ الرَّبُّ مُطْلَقاً إلا لله تعالى. وبالإضافة يُقالُ له ولغَيْـرِهِ.
أما المعنى الاصطلاحي لكلمة التربية فعلى الرغم من كونه يعتمد كثيراً على المعنى اللغوي؛ إلا أنه يختلف من عصرٍ إلى عصر ، ومن مكانٍ إلى آخر، وما ذلك إلا لأن العملية التربوية كثيراً ما تتأثر بالعوامل والتغيرات الزمانية والمكانية والاجتماعية التي تؤثر بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة على شخصية الإنسان في مختلف جوانبها على اعتبار أن كل نشاط، أو مجهود، أو عمل يقوم به الإنسان يؤثر بطبيعة الحال في تكوينه ؛ أو طباعه، أو تعامله، أو تكيفه مع البيئة التي يعيش فيها ويتفاعل مع من فيها وما فيها؛ إما سلباً أو إيجاباً.
لذلك كله فإن للتربية معاني اصطلاحية كثيرة ومتنوعة يُشير إليها (عبد الرحمن بن حجر الغامدي بقوله: "يرى كثيرٌ من رجال التربية والتعليم أن مصطلح "التربية" لا يخضع لتعريفٍ محدد، بسبب تعقد العملية التربوية من جانب، وتأثرها بالعادات، والتقاليد، والقيم، والأديان، والأعراف، والأهداف من جانبٍ آخر. بالإضافة إلى أنها عملية متطورة متغيرة بتغير الزمان والمكان، ويمكن القول بأن التربية تدخل في عداد المسائل الحية لأنها تتسم بخاصية النمو"
وعلى الرغم من ذلك إلا أنه يمكن القول: إن المعنى الاصطلاحي للتربية - عموماً - لا يخرج عن كونها تنمية الجوانب المُختلفة لشخصية الإنسان، عن طريق التعليم، والتدريب، والتثقيف، والتهذيب، والممارسة؛ لغرض إعداد الإنسان الصالح لعمارة الأرض وتحقيق معنى الاستخلاف فيها.
4 هدي الإسلام في تربية الصبيان:
لقد اهتم المسلمون قديما وحديثا بالطفل بتوجيه من القرآن الكريم، والسنة والنبوية المطهرة، وكتبوا أبوابًا وفصولاً في كتبهم ورسائلهم تمس الطفل من قريب و بعيد كما فعل الفيلسوف ابن سينا رحمه الله تعالى في كتابه (القانون) والإمام الغزالي رحمه الله تعالى في (إحياء علوم الدين)، وأفرده بعضهم بالتأليف فألفوا فيه كتبا قائمة بذاتها، ورسائل مستبدة برأسها كما فعل ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه: (تحفة المودود في أحكام المولود) وكما فعل عبد الله علوان رحمه الله تعالى في كتابه (تربية الأولاد في الإسلام). ولما كان الطفل جوهرةٌ غاليةٌ، ودرةٌ ثمينةٌ فإنه جدير بكل جهد يبذل حفظا وكنا، وترويضا وتهذيبها، وتزكية وتأديبا. ولا سبيل إلى أن يقدم الكبار للصغار ما يحتاجونه في المجالات التربوية والتثقيفية المختلفة ما لم يكونوا هم أنفسهم ما شئت علما وفضلاً، واستقامة وصلاحا، إذ أنه فاقد الشيء لا يعطيه، ومعلوم أن للقدوة أثرًا لا ينكر في مجال التربية والتوجيه ولأمر ما قال سيدنا شعيب عليه السلام لقومه:
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ الإصْلاَح مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وإذا أردنا ألا نخبط في جاهلية عمياء،ونضرب في صحراء تيهاء، فعلينا أن نستضيئ بنور القرآن الكريم، وقبس الحديث الشريف مستفيدين من تجارب الأمم، ومما يستجد من علوم وحكم، ويستحدث من كشوف.
5 المولود هبة من الله تعالى:
فمن القرآن نعلم أن الطفل – ذكراً كان أو أنثي – هبة تستحق الشكر والعرفان قال الله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ وهبة الله ينبغي أن يعرف لها قدرها ومكانها، ونحن لن نقدرها حق قدرها ما لم نقم عليها تغذية جسدية وتزكية روحية، وتعليماً وتثقيفاً، والطفل يخرج إلينا صفحة بيضاء غير منقوشة ولكنه مزود بأدوات المعرفة وآلات العلم.
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ولما كان الطفل عجينة تشكل حيث شئت ، ولبنة تحور وصفحة تتقبل ما يثبت فيها من نقوش وصور فأن على الآباء والأمهات تجاه أولادهم مسئولية فادحة تقصم الظهر، وتثقل الكاهل. جاء عند مسلم: حدثنا حاجب بن الوليد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدى عن الزهرى أخبرنى سعيد بن المسيب عن أبى هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول قال رسول الله : « ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ». ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه واقرءوا إن شئتم فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ الآيَةَ.
قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد قال أنا محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس رضي الله عنهما قال قيل لرسول الله : أي الأديان أحب إلى الله قال: «الحنيفية السمحة» تعليق شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره، قال السندي: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم على نبينا وآله وسلم. والسمحة: هي التي تسهل على النفوس لا كالرهبانية الشاقة عليها.
وهكذا وجدنا الإسلام يوجه منذ البداية إلى التخير والتنخل والانتخاب حتى يمنح الطفل فرصة طيبة، ومناخاً صالحاً لينبت نباتاً حسناً.
عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله : «تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم» . وعند الدارقطني: عن عائشة قالت: قال رسول الله : «تخيروا لنطفكم لا تضعوها إلا في الأكفاء» قال الأشج: "تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم". رواية بن عدي في الكامل مرفوعا. ولعل في إرشاد الرسول  إلى تجنب نكاح القرابة في قوله : «لا تنكحوا القرابة فأن الولد يخلق ضاوياً» . لعل في هذا التوجيه الكريم، والإرشاد الحكيم، إشارة إلى العناية الفائقة التي يوليها نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام للأطفال حتى لا ينشأوا مهزولين ضعاف كذلك الذي وصفه شاعر المفضليات فقال:
يأوي الي سلفع شعثاء عارية ** في حجرها تولب كالقرد مهزول
ولقد اثبت علم الوراثة الحديث صدق هذه النظرة وبعدها. (والوراثة هي انتقال الصفات من الآباء إلى الأبناء وتوجد مواد الوراثة في الخلايا الجنسية – البويضة والحيوان المنوي – وتقرر وراثة الطفل في اللحظة التي يدخل فيها الحيوان المنوي في البويضة عند الإخصاب ويحمل الجنين كمية من المواد الوراثية من أبيه مساوية تماما للكمية التي يحملها من أمه) .
(لقد اثبت علم الوراثة كذلك أن الزواج بالقرابة يجعل النسل ضعيفا من ناحية الجسم، ومن ناحية الذكاء، ويورث الأولاد صفات خلقية ذميمة، وعادات اجتماعية مستهجنة ) .
ومما يدل علي اهتمام الإسلام المبكر بالأطفال أنه شجع الزواج قال تعالي:  وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ  وقال : «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» ، ومعلوم أن الاتصال ـ بغير رباط شرعي ـ بين الجنسين يؤدي إلى أمراض جنسية مفظعة، وهذه من شأنها أن تهلك النسل، وتنشر الوباء وتذهب بصحة الأولاد الذين قال فيهم الشاعر العربي القديم : أولادنا أكبادنا تمشي علي الأرض
والإسلام يبذل الجهد كله حذراً وتحرزاً وتحسباً من أن ينشأ الأولاد نشأة فاسدة غير صالحة فيدعو إلى المحافظة علي عش الزوجية ويصف الزواج بأنه ميثاق غليظ  وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا  وفي حالة الكراهية وفيها من مشقة ورهق، قال الله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاتَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ، وعندما أراد أحدهم أن يطلق أهله لأنه لا يحبها، (جاء إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يستشيره في طلاق امرأته، فقال له عمر: لا تفعل، فقال: ولكني لا أحبها، فقال له عمر: ويحك ألم تبني البيوت إلا على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم؟
يقصد أن البيوت إذا عز عليها أن تبنى على الحب، فهي يمكن أن تبقى وتستمر على ركنين آخرين هما:
الأول: الرعاية التي تكون بين الرحم والتكافل بين أهل البيت وأداء الحقوق والواجبات.
والثاني: التذمم أى التحرج من أن يصبح الرجل مصدرًا لتفريق الشمل وتقويض البيت وشقاء الأولاد) .
لا أحد ينكر أهمية الحب في الحياة الزوجية، ولكن إذا تعذر وجود الحب أوتغيرت القلوب بعد الزواج هل نهدم البيت؟ هل يلجأ الزوجان إلى قرار الانفصال؟ أم يستمر الزواج لاعتبارات أخرى غير الحب؟
فليست كل البيوت تبني على الحب بل قد تستمر بالمعاشرة بالمعروف، إذ أنه (ليس بحكيم من لا يعاشر بالمعروف من ليس من معاشرته بد) .
وقد قال أحد الحكماء: "إن من أعظم البلايا معاشرة من لا يوافقك ولا يفارقك"، وهذا المثل ينطبق تمامًا على العلاقة الزوجية، وذلك لأن الزوجين بعد ارتباطهما يكون على كل واحد منهما أن يتقبل الآخر، حتى وإن وجد أحدهما سلوكًا وطباعًا، لا تعجب الطرف الآخر، ولكنه يعيش معه من باب المسامحة والتغافل، ولا يكون الحل هوالانفصال (ولوكان هذا هوالعلاج الصحيح لما بقى زوجان في بيت واحد على وجه الارض ونقول كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أوكل البيوت تبني على الحب؟ فلا بد من المداراة والمجاملة والمسامحة) .
ولاشك أن استقرار الأوضاع المنزلية من شأنه أن يؤدي إلى استقرار الأولاد من الوجهة النفسية، ولا شك أن جانبا ضخما من انحراف الأحداث إنما يعزي إلى اضطراب البيت وتدهوره وانحلاله. ولقد خسرت الإنسانية خسارا عظيما بتخلي الآباء والأمهات عن واجبهم تلقاء أولادهم . وكان ثمرة هذا التخلي أكلا خمطا ... أطفالاً مشردين وشباب شاردين. قال أحمد شوقي:
أن اليتيم هو الذي تلقي له ** أما تخلت أو أبا مشغولا .
وما فتئ نبي الإسلام يشجع علي الصبر علي لأواء التربية وعناء الواجب، ونصب المسئولية، قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا حرملة بن عمران حدثني أبو عشانة المعافري قال سمعت عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله  يقول: «من كانت وقال مرة من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن فأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار» تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير أبي عشانة - واسمه حي بن يومن - فقد أخرج له البخاري في " الأدب المفرد " وأصحاب السنن سوى الترمذي وهو ثقة.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي  قال: « من عال جاريتين حتى تبلغا ، دخلت أنا وهو الجنة » وأشار بأصبعيه الإبهام والتي تليها لم يرو هذا الحديث عن روح إلا ابن المبارك، الإبهام: الأصبع الغليظة الخامسة من أصابع اليد والرجل.
وكان صلوات الله وسلامه عليه يأمر بالعدل بين الأبناء والمساواة بينهم في المعاملة حتى ينشأ الأطفال وهم برآء من العقد الضارة والحقد الأسود والحسد الذميم فقد روي أحمد وأصحاب السنن عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله  قال: «اعدلوا بين أبنائكم» يكررها ثلاثا واهتمامه صلوات الله وسلامه عليه بتنشئة الناشئة تنشئة إسلامية صحيحة اهتمام قديم فهاهو ذا عليه أزكي تحية واطيبها يؤذن في أذن الحسن حين و لدته فاطمة كما يروي أبو داود والترمذي قال ابن القيم: "يُلقن شعار الإسلام عند دخوله للدنيا كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها" . وما رواه أبو داود أن الرسول  قال: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع» وهنا لابد لنا من بيان أهم أصول وأسس المنهج النبوي التى أرساها للمعلمين والمتعلمين .
6 أسس المنهج التربوي للمعلم والمتعلمين من خلال أحاديث النبي الكريم :
 قيمة العلم ومكانته: حيث يتضح ذلك من حديث ( من لا حسد إلا في اثنتين)، الذى يرويه أبو سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله : «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار فيقول الرجل لو آتاني الله مثل ما آتى فلانا فعلت مثل ما يفعل ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في حقه فيقول الرجل لو آتاني الله مثل ما آتى فلانا فعلت مثل ما يفعل». وهنا الحسد بمعنى القبطة أى تتمنى لأخيك مثل ما تتمنى لنفسك ، أما الحسد فهو تمنى زوال نعمة الغير .
 إتمام العمل على خير وجه: تجد ذلك في حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنه ، حيث يقول: "تخلف عنا الرسول  في سفرة سفرناها فأدركنا، وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته، ويل للأعقاب من النار" والحديث يشير إلى وجوب إتقان العمل وإحسانه وإتمامه .
 جذب انتباه الطلاب بإشراكهم في الحديث: في حديث ابن عمر رضي الله عنه ، أن رسول الله  قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهو مثل المؤمن حدثوني ما هي؟ قال عبد الله: "فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة، فقال النبي : «هي النخلة» فاستحييت أن أقول قال عبد الله: فحدثت عمر بالذي وقع في نفسي، فقال: "لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال الشيخ الألباني: صحيح.
 الأدب في الحديث مع المعلم وعدم قطع كلامه: في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي  في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله  يحدث، فقال بعض القوم: "سمع ما قال" فكره ما قال، وقال بعضهم: "بل لم يسمع"، حتى إذا قضى حديثه، قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله، قال: «فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة». قال كيف إضاعتها ؟ قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة». وهنا حسن الأدب مع الأستاذ وعدم قطع حديثه .
 السماحة واليسر عند المعلم: عن أنس رضي الله عنه عن النبي  أنه قال: «يسروا ولاتعسروا، وبشروا ولا تنفروا» ولولا تيسير النبي الكريم على أصحابه لما تعلموا . وقد روى البخاري بإسناده: حدثنا عبد السلام بن مطهر قال: حدثنا عمر بن على عن معن بن محمد الغفارى عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبى هريرة عن النبى  قال: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشىء من الدلجة ».
 مراعاة الفروق الفردية: في قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذّب الله ورسوله» .
 أعاده االتكرار حتى يفهم الجميع: عن أنس عن النبي : «أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه وإذا أتى قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا» .فليكرر المعلم العبارة لاختلاف مدارك الناس وفهومهم .
 الإستئاذن من جانب المتعلم: قال البخاري في صحيحه : حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا الليث عن سعيد هو المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: "بينما نحن جلوس مع النبي  في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال لهم أيكم محمد ؟ والنبي  متكىء بين ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكىء. فقال له الرجل: ابن عبد المطلب ؟ فقال له النبي : «قد أجبتك». فقال الرجل للنبي : "إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك". فقال: «سل عما بدا لك». فقال أسألك بربك ورب من قبلك آلله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ فقال: «اللهم نعم». قال أنشدك بالله آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة ؟ قال: «اللهم نعم».. قال أنشدك بالله آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة ؟ قال: «اللهم نعم». قال أنشدك بالله آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ؟ فقال النبي : «اللهم نعم». فقال الرجل آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر. ٍ حيث نلحظ استئذان طالب العلم عند الدخول على أستاذه ، وسؤاله للمعلم واستفساره له ، مع إجابة الأستاذ لسائله .
 يقظة المتعلم وانتباهه:وقد جاء عند البخاري قال: حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح العدوي: أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: "ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله  للغد من يوم الفتح فسمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص لقتال رسول الله  فقولوا له إن الله أذن لرسوله  ولم يأذن لكم وإنما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب» فقيل لأبي شريح ما قال لك عمرو ؟ قال أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة. خربة بلية. فهنا نجد اللإستئذان عند الدخول للأمراء والعلماء وغيرهم من العامة ، وأهل العلم والمعرفة أولى في ذلك، وكذلك اليقظة والإنتباه ( سمعته أذناى ووعاه قلبي وأبصرته عيناي ).
 التواضع سمة العالم والمتعلم: وتجد ذلك في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع سيدنا الخضر عليه السلام وقد أشارت إليه آيات الكهف السابقة من66-78.
وصدق رسول الله  في قوله: «من أراد العلم فليثوِّر القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين»





7 الخاتمة:

من خلال هذه الجولة يمكن أن نستخلص أهم الأسس التى بنيت عليها التربية الإسلامية في القرآن الكريم وسنة نبينا عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم.حيث التواضع من جانب الطالب والمعلم وعدم التكبر والتفقه والانتباه لما يلقيه العالم على طلابه حتى يفهموا ويعوا ما يقوله الأستاذ لأن ذلك يكون سبباً لبركة العلم، التكرار والإعادة لمسائل الدرس حتى يرسخ قدم لدى المتعلمين، وهكذا كان  معلم البشرية الأول يخاطب قومه، مخاطبة الناس على قدر عقولهم حتى يفهموا، والسماحة واليسر وعدم التعسير والتشدد على طلاب العلم، والأدب في الحديث مع المعلم وعدم قطع كلامه.

8 التوصيات :
1-يوصى الباحث بالتنبيه إلى قيمة العلم ومكانته ، حتى ينال من الاهتمام والرعاية التامة.
2-الاهتمام باتمام العمل واتقانه لدى الدارسين والدارسات ، والمربين والمربيات .
3-جذب انتباه الطلاب بالمشاركة في العملية التعليمية .
4-الأدب في الحديث مع المعلم وعدم قطع حديثه .
5-السماحة واليسر لدى المعلمين والمتعلمين .
6- ينبغى على الأساتذة مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب .
7-على المدرسين استعمال طريقة التكرار في دروسهم .
8-على طالب العلم الاستئذان على معلمه وطلب اذنه قبل الدخول.
9-اليقظة والإنتباه لدى المعلم وطالب العلم .
10-التواضع الجم للعالم والمتعلم .




8 المراجـع والمصادر.
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ( 700 -774 هـ )، تفسير القرآن العظيم، المحقق: سامي بن محمد سلامة، (بيروت: دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2، 1420هـ - 1999 م).
أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، مصنف عبد الرزاق، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، (بيروت: المكتب الإسلامي، ط2، 1403هـ).
أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، المصنف في الأحاديث والآثار، (مصنف ابن أبي شيبة) تحقيق: كمال يوسف الحوت، (الرياض: مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1409هـ).
أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، سنن النسائي بشرح السيوطي وحاشية السندي، المحقق: مكتب تحقيق التراث، (بيروت: دار المعرفة، ط5، 1420هـ).
أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، سنن البيهقي الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، (مكة المكرمة: مكتبة دار الباز، د. ط.، 1414 هـ- 1994م).
أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني، مسند الإمام أحمد بن حنبل، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرناؤوط عليها، (القاهرة: مؤسسة قرطبة، د. ط.، د. ت.).
أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، المعجم الأوسط، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، ‏عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، (القاهرة: دار الحرمين، 1415هـ).
إمام المحدثين الحافظ الجليل أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي المتوفي سنة ثمان وخمسين وأربع مائة، السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي، مؤلف الجوهر النقي: علاء الدين علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني، (الهند: مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدر آباد، ط1، 1344 هـ).
خالد حامد الحازمي ، أصول التربية الإسلامية ، (الرياض: دار عالم الكتب ، د. ط.، 1420هـ ).
الراغب الأصفهاني ، مفردات ألفاظ القرآن . تحقيق: صفوان عدنان داو ودي، (دمشق: دار القلم .د. ط.، 1412هـ / 1992م ).
زغلول النجار ،نظرات في أزمة التعليم المعاصر وحلولها الإسلامية ، (القاهرة : مكتبة وهبة . ط1.، 1427هـ / 2006م ).
سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، المعجم الكبير، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، (الموصل: مكتبة العلوم والحكم، ط2، 1404 هـ- 1983م).
عبد الرحمن بن حجر الغامدي،مدخل إلى التربية الإسلامية ، (الرياض: دار الخريجي للنشر والتوزيع، د. ط.، 1418هـ ).
عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، المحقق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ -2000 م).
علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي، سنن الدارقطني، تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني، (بيروت: دار المعرفة، د. ط.، 1386هـ- 1966م).
فتحي علي يونس وآخرون، التربية الدينية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة ، (القاهرة : عالم الكتب، مجمع اللغة العربية ، د. ط.، 1400هـ - 1999م).
مجمع اللغة العربية ،المعجم الوجيز ، (بيروت: المركز العربي للثقافة و العلوم، د. ط.، 1400هـ ).
مجمع اللغه العربيه، المعجم الوجيز، (مصر: وزاره التربيه والتعليم، رقم الطبعة : غير متوفر، تاريخ الطبعة: 1994م).
محمد الغزالي، نظرية التربية الإسلامية للفرد والمجتمع، ضمن بحوث ندوة خبراء أُسس التربية الإسلامية المنعقدة بجامعة أم القرى في مكة المكرمة خلال الفترة من 11 – 16 جمادى الثاني 1400هـ. مكة المكرمة : جامعة أم القرى، مركز البحوث التربوية والنفسية .
محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، تحفة المودود بأحكام المولود، ابن قيم الجوزية، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، (دمشق: مكتبة دار البيان، ط1، 1391 هـ- 1971 م).
محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، الجامع الصحيح المختصر، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة - جامعة دمشق، (بيروت: دار ابن كثير، اليمامة، ط3، 1407 هـ - 1987م).
محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، الجامع الصحيح سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د. ط.، د. ت.).
محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني، سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، والأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها، (بيروت: دار الفكر، د. ط.، د. ت.).
محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط، (مصدر الكتاب: مكتبة الشاملة الإصدار الثالث الجديد).
محمد خير عرقسوسي، محاضرات في الأصول الإسلامية للتربية - المبادئ العليا ، بيروت : المكتب الإسلامي، د. ط.، 1419هـ).
مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د. ط.، د. ت.).
مقداد يالجن ، ( 1406هـ ) ، جوانب التربية الإسلامية الأساسية ، (د. ط. د. ت.).
ناصر الدين البيضاوي، أنوار التنـزيل وأسرار التأويل المعروف بتفسير البيضاوي، (المطبعة العُثمانية 1329هـ ).
سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مع الكتاب: تعليقات كَمَال يوسُفْ الحوُت، (بيروت: دار الفكر، د. ط.، د. ت.).
النعمان بن ثابت بن زوطا بن مرزبان‎ أبوحنيفة، العالم والمتعلم، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، (بيروت: دار الكتب العلمية، د. ط.، 2000م).





المواقع الإلكترونية:
http://ghaleb-albanna.blogspot.com/2010/03/blog-post.html
http://www.bahaedu.gov.sa/vb/showthread
http://ghaleb-albanna.blogspot.com/2010/03/blog-post.html
http://www.bahaedu.gov.sa/vb/showthread
http://ikhwansd.com/articles/2009/4/atfal.htm
http://ikhwansd.com/articles/2009/4/atfal.htm